ثقافة محمد الجبالي: ممثل وناقد مــمـتــــاز
قبل أن أدخل المسرح لأشاهد «وان مان شو» لمحمد الجبالي قررت أن أتجاهل المعنى لأهتم في المقابل برجل المسرح حتى اكتشف بنفسي هذا الانتاج المسرحي الذي قوبل بانتقادات كانت أحيانا لاذعة.. لقد اعتبر بعض النقاد أنّ «بلدي التاني» كان عملا فاشلا واتهم آخرون محمد الجبالي بالرداءة عندما غنى «طقطوقة» مصرية «بص» (أي شاهد)..
في البداية أؤكد أنّي كناقد ثقافي اشجع معظم الانتاج الوطني لأنّ أي منتوج هو اضافة في بلاد مهددة بالتصحر الثقافي ومن قبل المتشددين الدينيين الذي يريدون زرع شجرة الجهل والموت، لكنهم لم ولن ينجحوا!
لقد تطرقت «رواية» محمد الجبالي الى مسألة تقزيم الفنانين التونسيين من قبل بعض الإعلاميين الوطنيين ومنظمي الحفلات الذين يحبذون «تأليه» بعض الفنانين المصريين الذين ليست لهم أيّة موهبة أو حرفية و«امتيازهم» الوحيد أنّهم «آتون من أمّ الدنيا» ولهم أسماء رنانة!.. فهناك امبريالية فنية غنائية مصرية أو لبنانية أو خليجية تفرض نفسها حتى أصبح التونسي يميل الى الاستماع للغناء التافه ولا يعترف بفناني بلاده وعباقرتهم، لم ينتقد محمد الجبالي عبد الوهاب أو أم كلثوم أو كبار الفنانين المصريين بل مغني الدرجة الثانية الذين غزوا إعلامنا وخاصة تلفزاتنا بعد أن نجحوا في نسج علاقات جيدة ومتميزة مع بعض الإعلاميين و«الأمبريزاريوات» وبعد أن تمكنوا من صنع شهرة زائفة بفضل «الكليبات»!
وفي سياق هذا النقد للفن الرديء غنى محمد الجبالي «طقطوقة» «بص» (شوف) وقد وفق في هذا «النمط» ليبرهن على أنّ هذا النوع من الفن تافة وحقير!
لقد انتقد الجبالي بنجاح الفنانين الأجانب التافهين وبعض الإعلاميين غير الواعين بمنظومة الإعلام التي تبجل «ببوش بومصة» من فناني الشرق وتتجاهل في المقابل بعض الدرر التونسية على غرار صليحة وعلي الرياحي والهادي الجويني ونعمة وعلية وغيرهم من عمالقة الفن التونسي... كما انتقد العصابة التجارية التي تستورد «الفنانين» المشارقة لتجعل من نكرات نجوما ساطعة تجلب الملايين من المشاهدين أو المستمعين!
وأنا أتابع العرض اكتشفت في محمد الجبالي رجل المسرح الذي نجح في إنجاز ما لا يقدر عليه سوى ممثل مبدع Une performance d'acteur وذلك بفضل قدراته التمثيلية وتطويع جسده لحركية فائقة وتقمصه أدوارا مختلفة...
لقد استمتع الجمهور بعرض فيه المسرح والغناء والكوميديا بما جعل الفرجة تكتمل.. وإذا كان هناك نقص في هذا العمل المسرحي فهو أنّه بالغ في تكديس المواضيع ولم يكتف بمحور واحد، علما أنّه ليس من المعقول أن يستغرق «الوان مان شو» أكثر من ساعة ونصف.. مهما يكن من أمر أنصح المولعين بالفن الرابع باكتشاف هذا العمل الناجح كما أقترح على التلفزة الوطنية بث كل المنتوج المسرحي التونسي حتى لا نشعر أن فنانينا غرباء في بلادهم.
المنصف بن مراد